يعتبر "ويل سميث" واحدًا من عمالقة هوليود حاليًا، بل ربما هو عملاق
هوليود الأكبر ماديًا، لاحظ أنه يفوز في السنوات الماضية بمجموعة من
الألقاب اللافتة للنظر مثل "أعلى آجر لممثل" و"أكثر ممثل يأتي بأرباح"
وغيرها من الألقاب التي تتعلق عادة بالماديات.
ويحاول "ويل سميث" بين الحين والآخر الترفع عن تلك الماديات، خصوصًا
وأنه الآن يحمل لقب "صاحب أكبر ثروة في هوليود" أيضًا، ليقدِّم فيلمًا هنا
أو هناك يستحق من أجله لقب حامل الأوسكار، منها طبعًا فيلم "Ali" الذي تم
ترشيحه للأوسكار والذي كان يستحق، وإن فاز به في ذاك العام ممثل أسمر آخر
هو دينزل واشنطن عن فيلمه "Training Day".
والفيلم الثاني الذي نال عليه "ويل سميث" ترشيحًا أوسكاريًا كان فيلم
"The Pursuit of Happyness" مقدماً دورًا دراميًا ثقيلاً، ولكن -من جديد-
خسر الأوسكار لصالح ممثل أسمر آخر هو "فورست ويتكر" عن دوره الرائع في
فيلم "The Last King Of Scotland".
هل تلاحظ معي أنه في العام الذي يفوز به ممثل أسمر بجائزة أوسكار عن
دور رئيسي، عادة ما يكون هناك ترشيحات لممثلين أصحاب بشرة سمراء آخرين؟!
هذا ليس موضوعنا بأي حال.
ما ستلاحظه معي أن فيلم "The Pursuit Of Happyness" كان محاولة جادة من
"سميث" للفوز بلقب "حامل أوسكار"، وعندما فشلت المحاولة بعد أن كان قريبًا
للحصول عليه بهذه الدرجة، قرر أن يعتمد على أسلوب "Trial and Error"
الشهير، حاول من جديد وتعلم من أخطائه، وكانت نتيجة المحاولة من جديد
فيلمنا الذي نتكلم عنه اليوم: "Seven Pounds".
فالفيلم يحمل طريقة التمثيل نفسها، والمخرج نفسه، بل حتى نزق الكاميرا
نفسه ومحاولاته لأن يخفي من وسامته المعتادة، والتي يتعمد عادة إظهارها.
لكن هل نجحت المحاولة؟!
عن تاجر البندقية والمكاييل السبعة
تاجر البندقية -في رائعة "ويليام شكسبير" التي تحمل الاسم نفسه- طالب
الرجل الذي يدين له بالمال أن يدفع له مكيالاً كاملاً من لحم جسده، كرد
للدين في ميعاده دون تقصير أو تأخير.
أما "تيم توماس" -الشخصية التي يقوم بدورها ويل سميث- فهو يدين لسبعة
أشخاص بدين كبير، ويحمل سرًا ضخمًا عليه أن يحارب من أجله وعليه أن يرد
الدين بطريقته الخاصة.
الفيلم بأكمله يعتمد بشكل عام على فكرته البسيطة، والتي لو قمت بذكرها
هاهنا فلن تحتاج أنت إلى مشاهَدة الفيلم من الأساس، لهذا أترك هنا قصة
الفيلم وانتقل إلى نقده.
هذا واحد من تلك الأفلام التي عندما تشاهدها، إما أن تعشقها حتى النخاع
أو تكرهها لدرجة تفكيرك جديًا في قتل ويل سميث شخصيًا، ويعتمد ذلك بشكل
كامل على مدى تقبلك لفكرة الفيلم نفسها، وعلى مدى استعدادك للتعاطف من
البطل شخصيًا أو كراهيته تمامًا.
ولا يساعدك "ويل سميث" على التعاطف مع البطل على الإطلاق، فطريقة
تمثيله الجامدة والتي تحاول أن تظهر الإصرار وعدم التردد، تجعلك متوقعًا
طوال الوقت لأن يقوم بضرب أحدهم دون رحمة في أي لحظة، دائمًا عصبي المزاج،
دائمًا محطَّم الأعصاب، دائمًا مستعد للقتال كمحارب لا يجد من يحاربه،
لربما كان السيناريو الذي تم تقديمه قد وضَّح جانبًا إيجابيًا لهذه
الشخصية تجعلها محبوبة، كعدد كبير من الشخصيات التي شاهدناها في الأفلام
الأخرى والتي نعشقها رغم مشاكلها وآلامها (تذكر معي فيلم Fight Club
وشخصيتيه الرئيسيتين).
إلا أن "ويل سميث" لا يسمح بذلك الجانب بالظهور على الإطلاق، لا يوجد
أي تعبير على وجهه يسمح لك بانكسارة تعاطف مع شخصيته، لتسمح لك بمتابعة
الفيلم دون ملل.
باقي الممثلين في الفيلم كان تمثيلهم باهتًا عاديًا ومتوقعًا، حتى أنك
ستنسى من قام بدور ماذا فيما بعد، كما ستلاحظ أن هناك عدم تركيز كبير على
جميع الشخصيات المختلفة في الفيلم ـ رغم أهميتها للسيناريو ـ حتى أنك
ستحتاج إلى بعض الوقت قبل أن تدرك أن هذه هي "روزاريو داوسون" التي قدمت
فيلم "Rent" وأن هذا هو "وودي هاريسون" الذي أبدع في "No Country For Old
Men".
ويتركك الفيلم طوال أحداثه التي تستمر لساعتين ونصف تقريبًا غير فاهم
على الإطلاق، فلا أنت تعرف دوافع هذه الشخصية التي تجعلها تقوم بعمل خطة
جهنمية ضخمة، ولا أنت تعرف النتائج التي ستظهر من تلك الخطة الجهنمية
الضخمة، أنت على ذلك تائه بين ذكريات الطفولة عن قناديل البحر التي تحوم
حولك طوال الوقت، وصراخ ويل سميث في وجه كل من يتكلم معه وعصبيته في
التعامل مع أصدقائه، إلى جانب اهتمامه بشخصية الفتاة المريضة والذي يتناقض
تمامًا مع أسلوب تعامله مع جميع الشخصيات الأخرى.
وهذا عيب خطير في السيناريو، فرغم أنني من عشاق السيناريوهات الضخمة
التي تحتاج منك إلى تفكير محاولاً التوصل إلى حل للغز أو لحبكة، ولكنني
أكره تمامًا السيناريوهات التي تريد أن تقودك تمامًا دون أي تحكم منك،
وتضعك في مجموعة من المواقف المختلفة بطريقة إخفاء بعض المعلومات عنك
وإظهارها في الوقت المناسب للمخرج فحسب، تلك السيناريوهات تجعلني عصبي
المزاج حقًا.
خصوصًا وأنك ستدرك ما تقوم الشخصية الرئيسية في الأحداث بعمله وما هو
الهدف من تلك الخطة وما هو سبب إطلاقها مع منتصف الفيلم، إلا أن الفيلم
نفسه يظل مصرًّا على تركك في الظلام والقفز عبر مجموعة من المشاهِد
المختلفة التي تحاول أن تضعك في حيرة أنت تخلصت منها بالفعل منذ فترة
طويلة، مما يجعل الفيلم مشتتًا في ساعته الأخيرة، كما قد يجعلك متضايقًا؛
لأنك تحس أن المخرج والممثل يتعاملان معك كأنما أنت تمتلك ذكاءً محدودًا
لا يسمح لك بمعرفة ما يحدث قبل أن يقررا هما ذلك.
على جانب آخر، الإخراج كان مميزًا ورائعًا في عدد كبير من المشاهِد،
والمخرج Gabriele Muccino معروف بقدرته على تقديم المشهَد الصحيح، وإن لم
يكن هناك أي استفادة على الإطلاق من الجمال البصري، كأنما كان المخرج
حساسًا للغاية لأي تغيير لوني في سياق الفيلم، التصوير بمجمله كان باردًا،
ولم يكن هناك الكثير من المشاهِد الخارجية، تصوير المستشفيات -لو أنك تفهم
ما أعنيه- بألوان المستشفيات الباردة التي تجعلك على استعداد للقيء في أي
لحظة.
على أي حال فهذا المخرج معروف أيضًا بمحبته للألوان الباردة،
والديكورات التي تكاد تخلو من الأثاث، أو تضم أثاثًا جانبيًا لا يلفت
الأنظار بأي حال.
بشكل عام، الفيلم كان محاولة ماسخة للفوز
بالأوسكار -وإن أدت هذه المحاولة- إلى نتائج عكسية تمامًا، فأغلب مواقع
الإنترنت والمجلات أعطته الكثير من النقد السلبي، كما أنه الفيلم الأول
لـ"ويل سميث" الذي لا يصل إلى قمة شباك التذاكر الأمريكي، محطمًا أحلام
"ويل سميث"في أن يستمر على قمة شباك التذاكر.
نقطة أخيرة: لم يحصل فيلم
"Seven Pounds" على أي ترشيح على الإطلاق في أوسكار هذا العام