أجمع قضاة وخبراء قانونيون وناشطون سياسيون على أن قانون الإرهاب المزمع عرضه على البرلمان المصري قريبًا لإقراره في الفترة القادمة يمثِّل خطرًا على حقوق الإنسان، ويصلح لأن يكون وسيلةً للتضييق الشديد على الحريات الفردية والعامة.
وطالبوا كافة سلطات الدولة في مصر بالعدول عن فكرة إصداره والعمل على تفادي فرض أوضاع استثنائية على المواطنين، وإيجاد ضمانات كافية لمحاكمة المتهمين أمام قاضيهم الطبيعي، وعدم إحالة المدنيين إلى محاكماتٍ عسكرية.
وأكَّدوا أن مكافحة الإرهاب تتحقَّق بنشر الديمقراطية وإجراء انتخابات نزيهة، وبنشر العدالة الاجتماعية التي تبعث الثقة والأمان في نفوس المواطنين، وليس بسنِّ قوانين جديدة.
ويرى المستشار زكريا عبد العزيز رئيس نادي قضاة مصر أن قانون الإرهاب هو أحد قوانين ضمن سلسلة قوانين يُقصد بها إحكام قبضة النظام على الحياة السياسية؛ بعضها صَدَر والآخر في الطريق من أجل إحكام السيطرة وفرض السطوة وإبعاد السلطة القضائية وإقصاء مجلس القضاء الأعلى.
ويضيف: إن هذا النظام مستورد من الأجندة الأمريكية التي يقومون بتدريسها لأولادنا في دورات تدريبية، مطالبًا بالتصدي لكل هذه المشروعات ذات القصد السيئ.
ويؤكِّد المستشار محمود الخضيري نائب رئيس محكمة النقض أن قانون الإرهاب لن يحلَّ مشاكل الإرهاب، بل سيزيدها سوءًا؛ لأنه يهدف إلى مزيدٍ من سلب الحرية والاعتداء على الكرامة والشرف وحرمان المواطنين من العيش في أمان في وطنهم.
ويشير إلى أن السلطة التشريعية المنوط بها دستوريًّا إصدار القوانين مغلوبة على أمرها، ولم يعد لها رأي أو موقف تتخذه بعد أن استوعبتها السلطة التنفيذية صاحبة الرأي الأول والأخير في إصدار القوانين، والتي تقف غير مبالية ومستهزئة بالجميع وغير جادة في سماع جميع الآراء المثارة حول القانون، وهي كثيرة ومتنوعة.
ويحذِّر من أن الظلم يمرح في دُور العدالة لدرجةٍ لا يمكن أن يتحقَّق فيها العدل ويُنصَف مظلوم، فتحوَّلت إلى أماكن لا تصلح حتى لإيواء البهائم، فضلاً عن البشر؛ فأهل المكان لا يستطيعون تحقيق العدل لأنفسهم بإصلاح أحوالهم ومكان إقامتهم، فهل يمكن أن يحقِّقوه للناس؟!
مارد الأزمات
وينتقد نائب رئيس محكمة النقض الأوضاع التي تمرُّ بها البلاد قائلاً: "لم أجد شيئًا يمكن أن يُدخل على النفس الراحة والاطمئنان أو العيش في أمان؛ فبعد أن هدأت ثورة العطاشى قليلاً حلَّت محلَّها ثورة الجوع، وقبل أن نُفرِّغ من أزمة السكن في المقابر والبطالة التي دفعت الشباب إلى الموت على سواحل بلاد الأجانب طلبًا لفرصة عمل توفِّر قوت اليوم، حتى الثروات الطبيعية بدَّدناها وسلَّمناها لقمةً سائغةً للعدو قبل الصديق، وحرمنا منها أبناءنا".
ودعا الخضيري إلى استيعاب الرسالة التي أرسلها الشعب إلى حكَّامه والتي يقول فيها: إن المارد قد خرج من القمقم، والمريض بدأ يتعافى، والجسد الهامد قد دبَّت فيه الحياة، وإن الغد لن يكون- إن شاء الله- مثل أمس.
ممارسة الإرهاب
وشنَّ صبحي صالح عضو مجلس الشعب هجومًا عنيفًا على القانون، مشيرًا إلى أنه قانون لممارسة الإرهاب وليس لمكافحته، وهو قانون تأليه الحكَّام وتعبيد الشعوب، وأكَّد أن القانون ليس لمواجهة الإرهاب وإنما لمواجهة المعارضة وحماية أمن النظام الحاكم الذي يَعتبر أي عمل لا يرضى عنه إرهابًا، وإقرار ممارسات تهدم من الأصل عددًا من أهم حقوق الإنسان والمواطنة.
وأضاف أن قانون الإرهاب الجديد فوق الدستور، ويطلق من الصلاحيات ما لم يكن موجودًا في قانون الطوارئ، بل يجسِّد الاستبداد الفجِّ الذي يتجاوز كلَّ ما هو متصوَّر؛ فمواد القانون تصل إلى 58 مادة،ً وهو ثلاثة أضعاف عدد مواد قانون الطوارئ؛ مما يؤكد أن القوانين تحصى في العالم كله بالعدد، أما في مصر فتحصى بالطن.
واقترح سمير حافظ المحامي بالنقض مقاومةَ هذا القانون بإغلاق المحاكم ومكاتب المحامين في حالة ما إن صدر هذا القانون، مشيرًا إلى أن القانون المزمع إصداره يُجرِّم التفكير والنوايا، ويعتبر الشروع في الجريمة جريمةً تامةً، لافتًا النظر إلى أنه أخطر كثيرًا من قانون الطوارئ.
هيمنة السلطة
ويؤكِّد الدكتور عمرو الشوبكي الخبير بمركز الدراسات السياسية والإستراتيجية بالأهرام استحالةَ فصل الحديث عن قانون الإرهاب عن مجمل الأحداث السياسية التي تعيشها البلاد في هذه الفترة وطريقة التفكير التي تحكم النخبة التي تحكم مصر والطريقة التي يُصيغون بها القوانين في البلاد مع تصاعد وتيرة الانتقاد الداخلي والخارجي لوضع حالة الطوارئ الممتد بلا ضرورةٍ تُجيزه، لم يجد النظام بدًّا من التحوُّل عن هذه الحالة دون أن يعنيَ ذلك بأي حال التخلِّيَ عن هيمنته المطلقة على السلطة، وانفراده الكامل بالحكم، ومن هنا أعلن اتجاهه إلى إلغاء حالة الطوارئ واستبدالها بقانون جديد لـ"مكافحة الإرهاب"، رغم أن ترسانة القوانين التي يمتلكها النظام كافية.
ويقول: "إننا أمام خطر حقيقي من العنف والفوضى والاحتجاجات الاجتماعية بعد أن دخلنا في مرحلة صعبة"، مطالبًا بالتفكير في مكافحة قانون الإرهاب المزمع إصداره، والذي يهدِّد بالانتهاك تحت مسمَّى مكافحة الإرهاب، وأن نقبل جميعًا أن يأتيَ اليوم الذي تُتداول فيها السلطة سلميًّا.
تحايل تشريعي
ويستنكر الدكتور محمد نور فرحات أستاذ القانون بجامعة الزقازيق إصرارَ النظام الحاكم على طرح القانون على مجلس الشعب المصري دون استطلاع رأي شيوخ القضاة والمتخصِّصين حتى الآن وعدم إعلان تفاصيله للرأي العام وقصر صياغته على أعضاء اللجنة والحزب الوطني فحسب وإقراره بعد ذلك- كالعادة- داخل مجلس الشعب من خلال أغلبية أعضاء الحزب الوطني، والتي تتحكَّم في المجلس وقراراته.
وأشار إلى أن الفلسفة التشريعية التي حكمت المُشرِّعين أواخر حكم الرئيس السادات هي التي تحكم عقلية المشرِّعين اليوم التي تتحايل على عقول الناس بتحويل ما هو طارئ بما هو دائم.
ويشدَّد على أهمية أن تكون بنود قانون الإرهاب واضحةً تتصف بالوضوح والحيادية بعيدًا عن المفهوم الفضفاض "للإرهاب" الذي يمكِّن السلطة بأن تحوِّل كل نقد أو تعبير بوسائل سلمية إلى "جرائم إرهابية عن طريق العبارات المطاطة، ومنها: سلامة المجتمع، أو إلحاق الضرر بالبيئة، أو الإضرار بالأحوال الشخصية"، لافتًا إلى عزوف الدول الكبرى عن صياغة تعريف محدَّد له؛ وذلك للخلط بين هذه الجريمة وبين حق الشعوب في الكفاح المسلَّح للحصول على حقوقهم.
تحجيم المعارضة
ويقول أحمد الحمراوي الأمين العام لنقابة المحامين بالإسكندرية: "إننا في دولةٍ لا سيادة للقانون فيها، وتضرب بأحكام القانون عرض الحائط، بل إن تلك القوانين الاستثنائية تُستخدم في المنطقة العربية لمواجهة المعارضة وليس الإرهابيين".
ويتساءل: "هل طبَّق النظام قانون الطوارئ على مَن يستحق من ناهبي المليارات من البنوك وأصحاب العمارات المنهارة والفاسدين قبل أن يشرع في تطبيق قانون الإرهاب؟!"